طفولة الراعي
قراءة في اعمال عاصم عبد الامي
ر

لم يكن عسيراً علي ان أعثر على عنوان لقراءتي هذه، فمن أول وهلة تقع فيها عيناي عليها وصور طفولتي تنثال علي من أعماق ذاكرتي لتتعانق مع رموز عالمها ليس هذا فقط بل كانت صور الطفولة المتوحدة مع اللوحات تفتح الابواب امام رموز اللوحات الاخرى فالطفولة كما اراها هنا هي مفتاح رموز عاصم.
ضمن هذه الرؤية سأحدد قراءتي لهذه اللوحات من خلال مستويين هما مستوى خلفية اللوحة ومستوى الرموز التي تحتل سطحها ومن خلال العلاقة بينهما .
يتعامل عاصم عبد الامير مع الشخوص والمفردات من خلال عين تتقمص خطوط الاطفال على سطح القماشة، حتى وهو يعبّر عن عالم الكبار المثقل ، فخطوطه ليست سوداء في لوحة رقم 1، بل استعارت الطباشير لتكون جذراً لها وكأن سطح القماشة سبورة او حائط مدرسي وعلى قماشته هو.. يصبح الخط الابيض لحظة أنفتاح على المحيط \ الخلفية مؤكداً على حالة الانتماء لهذه الخلفية والذي أسسه تداخل الهوية اللونية للخلفية مع الشخوص والرموز. كأنه يقول : أن رموز عالمي لاتنفصل عن محيطها وتربته. وهي حالة انتماء في اغلب اللوحات قيد القراءة هذا التواصل اللوني بين الخلفية ورموز العمل مع انفتاح هذه الرموز على خلفيتها من خلال الخطوط البيضاء التي تكسر معنى الحدود لتجعل منها نقاط التقاء مع المحيط منح شخوص ورموز عاصم الفة اضافت لالفة الطفولة معنى اخر، لكن خطوط الفنان في لوحة رقم 4 تأخذ شكل الحدود التي تحيط الرمز الملكي...الغافي فهي سوداء حادة تقطع الصلة بين هذا الرمز المظلم والفجر الذي يؤذن بالحرية متمثلاً بديك يرسل صياحه امواجاً من الاحمر الثائر هو يكسر الليل بتدفقه بل ويخترق حدود الظلم ليقض مضجعه .الى هنا تبدو الصورة قاسية وموحشة ولكن السياج بزخرفه المألوف ولونه المسالم يخفف من حدة المواجهة مع المتلقي من خلال لون بارد ومن خلال أشارة السياج المنزلية الحميمة وهي تتركنا لبعض الطمأنينة كذلك في لوحة رقم 2 حيث لانعيش حالة الانتماء بين الخلفية والرموز ويتراءى لي ان لون الخلفية مفروض على عالم المراة المنكسرة والتداخل اللوني هنا يوحي بفرض قسري .. وربما كان لوضعيتها الوجلة الاثر في هذا الانطباع، كذلك الاخضر الكئيب الذي شكل خلفية وجهها مخلفاً فيه تعبيراً باهتاً كخلفية عالمها مقابل صرامة وحدة ذلك الظل الرجولي القاتم المفروض على عالمها.
لقد أحالني تتابع اللوان الخلفية في لوحة رقم5,3,2الى البسط المحاكة والشائع وجودها في جنوب العراق بتتابعاتها اللونية . هذه التتابعات التي اشار اليها شاكر حسن آلـ سعيد بأنها أمتداد للتابعات اللونية السومرية لكن الامر لايتوقف عن هذا الحد فهذه المساحات اللونية بهويتها المقترنة بالارض ليست بمعزل عن السماء فهي امتداد للون السماء كما تراها عين عاصم . تمثل ذلك من خلال تتابعها العمودي فخلفيته لاتعرف التقسيم بين الارض والسماء كما هو الحال في اعمال الاطفال فالفضاء عند الاطفال لا ينقسم الى ارض وجدران وسقف وهذا ما نراه عند عاصم الذي جعل الخلفية حالة امتداد بين الارض والسماء في اختزال شيق ليخلق خلفية هادئة مشبعة باللهفة والحنين .
يتجسد هذا بوضوح مع اللوحة رقم3 والتي ينقسم عالم الفتاة فيها الى ثلاثة مشاهد كلها تتشبث بالحلم الموعود الذي يحتل وسط اللوحة حيث يحشد الفنان عفوية رموزه في حلم بهيج على خلفية من نخيل يحتضن اللقاء . وفي مشهد أخر تعيش الفتاة الانتظار وكأنها تقف امام بحر في لحظة غروب مهيب.
أمام ثنائية المراة الحالمة \ المنكسرة يظهر الرجل في اعمال عاصم عبد الامير بصورة الراعي كرمز للمسؤولية وهو يعزف بناية ليحيلنا بأحساس جميل الى عالم يمثل حلم الفتاة في لوحة رقم3 تمثل اوراق الشجر بتعدد كينوناتها والتي جاءت في صورة واحدة تتكرر وبحجم واحد رمزاً للخضرة وكأن عاصم يقول ان الطبيعة في عيون الطفولة واحدة لاتعرف التفرقة بين المسميات .
تتداخل رموز عاصم على مستويات عدة وكأنها رسوم اطفال على جدار -جدار الطفولة بالنسبة لعاصم- .
ان تداخل عوالم الرموز من اطفال يلعبون ونباتات ورموز منزلية يوحي لاول وهلة بفوضى رسوم الاطفال عادة ولكنه عند عاصم كما ارى يمثل حالة عناق وتوحد فرموزه رغم تعددها وتداخل كينوناتها تجمعها الخلفية اللونية الواعية في الفة محببة وفي توحد الليل بالنهار / الحلم باليقظة وتبقى لوحة رقم1 رغم احتشادها بالعاب الطفولة، رمزاً لصخب طفولة وادعة تنتمي باستكانة وسلام لأمان المنزل ، تتوسد أزرقه الحنون بفوضى محببة وهي تضع خطاها النشطة على ارضية من نقاء الطفولة الابيض يفتح تعدد مستويات اللوحة وتعدد وتداخل رموزها والوان خلفيتها.. شهية القارئ لكم ثر من التأويلات وهكذا هو عالم الطفولة الذي يشدنا بغناه وفوضاه والوانه السحرية. لقد غاب عاصم عبد الأمير في وهلة من الزمن وعاد لنا بهداياه : الوان وخطوط وفضاء طفولتنا.

 



( لوحة رقم 1 )

 


( لوحة رقم 2 )

 


( لوحة رقم 3 )

 


( لوحة رقم 4 )


 


( لوحة رقم 5 )
 

 

رجوع