الواقعية السينمائية
قراءة في اعمال الفنان الامريكي بو بارتليت Bo Bartlett


قد يشكل هذا العنوان تجاوزا على المصطلحات المتعارف عليها في اساليب الفن التشكيلي ولكنني اجده الاقرب لتاطير اعمال الفنان بو بارتليت الذي يعتمد تقنية اللقطة السينمائية في رسم اللوحة ومن هنا تتميز واقعية بارتليت عن الاسلوب الواقعي المعروف .
اذا كانت واقعية القرن التاسع عشر تشكل تسجيلا لواقع الحياة من خلال خروج الفنان من الاستوديو الى الهواء الطلق واذا كانت الواقعية الاشتراكية تمثل تسجيلا لواقع المجتمع من خلال منظور ثوري فكلتاهما سجلتا الحدث في لحظته وأعطته حرارة الحضور ، على العكس من واقعية بو بارتليت التي جاءت تسجل اختلافها الصارخ لانها الواقعية القادمة بعد فوات الاوان ، الامر الذي قـد يفسر اللامبالاة الموجعة لشخوص لوحاته الذين بدوا غير معنيين بفضول المصور الذي يسجل واقعهم ، انه الاحساس باللاجدوى من التفاعل مع صورة التقطت لساحة معركة بعد انتهاء كل شيء.
يلف الغموض المقصود عالم بارتليت ، هذا الغموض يخدم ضبابية العلاقة بين شخوص اللوحة ويرسخ غربتهم عن بعضهم وغربتهم عن المكان كما انه يجعل المتلقي غير معني بخلفية اللقاء الذي يجمعهم لانه لن يوفّـق في جمع عوالمهم الداخلية، وربما يبرر هذا الامر اكتفاء الفنان بالايحاء من خلال التقاط مشهد محدد . نرى ذلك بوضوح في لوحة ارض الاحلام حيث يجمع فيها بعض السائرين على ذات الطريق ولكنهم غير معنيين ببعضهم البعض( وهي الرسالة التي يكررها هذا الفنان في لوحاته المختلفة الا وهي غربة الانسان حتى عمن يشاركه طريق حلمه) فالكل معلقة عيونه على الافق سوى بعض الفضول الذي جعل بعضهم ينظر الينا ونحن نتابع رحلته التي لا نعلم كيف ستنتهي على ارض جعلها الفنان ترتفع باتجاه المسير وهذا ما أعطى تقدمهم حيوية مضافة وإيقاعا متصاعدا، لذا وعلى الرغم من ان اللوحة قد خيبت ترقب المتلقي الذي احدثه عنوانها الا انها نجحت في ان تشد انظارنا الى الحلم الذي جمع هذه المجموعة المتفرقة المشارب وزاد في اقحامنا بها من خلال هذا الايقاع المتصاعد.
تذكر لوحة العروس إلى حد ما بلوحة (لاعبي الورق) للفنان الإيطالي كارافاجيو، من خلال اختيار لحظة حاسمة لتصوير الحدث . الفرق بين اللوحتين هو الدخول المفاجئ للمتلقي في لوحة العروس على مسرح الحدث بشكل غير متوقع . في هذه اللوحة خلفية تشير الى لحظة بدء التنفيذ (في قصة ذبح النبي ابراهيم لولده اسماعيل ) بينما في اللوحة ذاتها نحن امام لحظة انتهاء التنفيذ. لماذا اختيار قصة النبي ابراهيم بالذات ؟ هل هي محاولة لخلق التبرير باعتبار الفعل تجسيدا لرؤيا او من اجل تنفيذ ارادة اقوى ارادة متحكمة وماهي هذه الارادة ؟ على كل حال لن تكون هذه اللقطة كافية للاجابة
ربما يكون الفنان بو بارتليت قد حل مشكلة الزمن في اللوحة من خلال استخدامه تقنية اللقطة السينمائية. لم يتقصد ذلك من خلال الايحاء بالحركة باستخدام الاضاءة في اللوحة الذي ينقل عين المتلقي ويحرك ادراكه البصري ولا من خلال تنوع الزوايا لمتابعة الحدث ، بل كان حل بو بارتليت متاتيا من خلال كون اللقطة غير معنية بإيضاح ما حدث قبلها وتكتفي بكونها جزءا من سلسلة لقطات تكتمل فكرتها باجتماعها وبالتالي فاللقطة وحدها في شكل لوحة تحرك الإيقاع الزمني لوعي المتلقي في محاولة لرصد تسلسل الحدث.
في لوحة جليسة الأطفال إيحاء غير بريء يلتقيه الناظر بدءا بعيني الجليسة وهي تنظر بريبة يشي بها موقفها الغريب ومرورا بإغلاق أزرار القميص مع غياب الطفل ( المفترض وجوده رغم وجود فراشه)
يتقابل في هذه اللوحة كما في بقية اللوحات جانب المباشرة الذي تقابلنا به القماشة بالغموض او الانحراف السلوكي الذي يشكل ارضية مشتركة لشخوص بارتليت.
في لوحته رجل مع باب يبدع في إظهار حس المفارقة حيث الرجل ينظر إلينا وهو مدرك لاستغرابنا تجاه ما يفعل وهو مؤمن في قرارة نفسه بأهمية ما يقوم به بل انه يواجهنا بنفس ما نفكر به كأن لسان حاله يقول: من منا يستحق ان يستغرب لحال الآخر. إن ثقة هذا الرجل مع غرابة ما يقوم به (في نظرنا) تربكنا وتهز ثقتنا بصحة رؤيتنا. لقد جعل الفنان هذا الرجل واجهته لتهميش قناعاتنا.
لقد جعلنا بو بارتليت من خلال التساؤل الذي تتركه لقطاته المقتضبة و من خلال اشراكنا في مازق ابطاله امام توقيت رؤيتنا لواقعهم او من خلال ما تشي به افعالهم من لا مبالاة مقهورة حينا او ساخرة من وعينا حينا اخر نحاسب وعينا في محاولة للاعتراف بغرابتنا، هذه الغرابة التي امتلك ابطال بارتليت الجراة للاعتراف بها ومن خلال ذلك امتلكوا الشجاعة لمحاسبة واقعنا المعاصر.

 


( الوالدان )

 


( جليسةالاطفال )

 


( ارض الحلم )

 


( العروس)

 


اضاءات:

  • 1955 ولد في Columbus، جورجيا

  • 1974 الدِراسات الخاصّة مَع بن إف . لمدة طويلة الرّابعة، فلورينس، إيطاليا

  • 1975 جامعة الفنونِ، فيلاديلفيا، بينسلفانيا

  • 1976-81 أكاديمية بينسلفانيا مِنْ الفنون الجميلةِ، شهادة الفنون الجميلةِ

  • 1977-78 الدِراسات الخاصّة مَع نيلسن شانكس، الأندلس، بينسلفانيا

  • 1977-78 كليَّة فيلاديلفيا مِنْ طبِّ Osteopathic، دِراسات عِلْمِ تشريح

  • 1980 ثقافة وليام إملين كريسون الجوّالة، بي أي إف أي

  • 1980-81 جامعة بنسلفانيا، دِراسات فنون متحرّرةِ

  • 1986 جامعة نيويورك، شهادة في صُنعِ الأفلام
     

 

رجوع