نيويورك …فتاة
الليل
قراءة في لوحات الفنان الإيطالي فابيو ماريا ليناري Fabio Maria
linari
يبدو أن للفن رؤيته الخاصة تجاه أحداث الحادي عشر من أيلول، إذ
انزل هذا الحدث من عرشه المفتعل ، ظهر هذا جليا في فلم 11/9
فهرنهايت لمايكل مور و الحائز على جائزة السعفة الذهبية في مهرجان
كان السينمائي الذي أقيم مؤخرا . للفن التشكيلي مقاربته الموازية
لهذا الحدث والتي نلمسها بوضوح في لوحات الفنان الإيطالي فابيو
ماريا ليناري من خلال استخدامه لمدينة نيويورك مدخلا لابراز تصوره
الخاص حول تدمير برجي مركز التجارة العالمي.
إن المدينة هي الوجه الآخر لروح الإنسان المعاصر والمتلقي أمام
لوحة المدينة يبحث عما هو اعمق من المناخ اللوني أو التفصيل
المكاني، انه يبحث عن روحه في عالم القماشة، لكن مدينة نيويورك ،
كما يراها فابيو، هي المدينة التي لن تحبها على الرغم من أنها تشدك
إلى ليلها ذو المناخ اللوني الصاخب.
يتعامل فابيو مع المدينة من خلال أسلوب تعبيري ذو سطوة لونية
تتلاشى معها حدود الأشكال المتضمنة في العمل، والتعبيرية تتعامل مع
اللون بوصفه الوسيط الابلغ لإيصال الإحساس إلى مداه من خلال تضادات
لونية بارزة، الأمر الذي يجعل المتأمل لصورة نيويورك في ألوان هذا
الفنان أسير مشاعر متضاربة ومربكة وهو ينتقل بعينيه بين المساحات
اللونية المتداخلة والمتضاربة بدون تدرج لوني، فهي لا تشتغل على
منطقة حوار مهادن بين المساحات اللونية الواشية بصخب المدينة
البعيد وهي تشغل السماء بألوانها الحارة، كما في لوحة رقم( 1و6)،
لكن استلام الإشارات يتوقف عند حدود هذا العالم اللوني ، ليترك
المتلقي في حيرة بين هذا الصخب الجاذب وبين الفراغ الساكن خلف
الألوان و هذا ما أراده فابيو، فنيويورك مدينة تكتفي منها
بالإشارات الصاخبة ولا تبحث فيها عن ما وراء ذلك. إنها مدينة ليل
ولكنه ليس ليل السكون والدعة بل ليل الإبهار العقيم، . ليل سطحي
مربك، لا يمتد في الأعماق حيث الأحلام والذكريات انه الليل الذي
يقّـشر وعيك ويبقيك منقطع الأنفاس وأنت تلهث خلف جمود لماع لمدينة
تمثل بلورة الضياع الملونة، ولذلك تبقى فيها الألوان الباردة سيدة
القماشة، وهذا الصخب والإبهار لا يستطيع أن يكسر جمود قلب المدينة
البارد أو ينتشله من حزنه ووحدته بإنارة مستعارة .
نيويورك تبقى بعيدة في قماشة فابيو فهي لا تستطيع أن تسرقه من
فضاءه ولا تفلح في أن تدخل عالمه بتفاصيلها فبقيت على مبعدة من
عينيه وهي تستدعيه، لكنه يراها كما لا تريد أن يفعل ، غارقة في
ضوضاء تنسيها ليلها الدائم . إن فابيو ينظر إلى هذه المدينة وكأنها
غانية فاتنة توحي لطالبيها بأنها قريبة المنال ولكنها بعيدة مغرقة
في ظلمة الليل، ووعي الفنان يبقي محيطا شاسعا بينه وبين عالمها،
"كلا لن تصل البحر . المياه متجمعة في نقطة واحدة
تتنفس بجميع كماناتها مقطوعة الأوتار
على مقام الجروح والبنايات القفر
المياه التي لن تصل البحر ."
لوركا ـ شاعر في نيويورك
إن علاقة المتأمل بنيويورك فابيو محصورة بجدل عقيم، جاف ومنقطع عن
الجذور في ظل مناخ مصطنع، من هنا نستطيع أن نتفهم طريقة تعامله مع
برجي مركز التجارة العالمي، إذ ينظر إليهما من خلال نافذة محايدة
تميل إلى عدم التصديق فهو في لوحة رقم ( 2 ) يمنحهما وجودا شبحيا
وفي لوحة رقم ( 3) يتعامل معهما ببرود وألوان هجينة لا علاقة لها
بضوضاء الحدث وآثاره الكارثية. إن من ينظر إلى الدخان المتصاعد من
برجي التجارة في هذه اللوحة لا يفرق بينه وبين دخان سيجار كوبي على
فم مدخن محترف.
في لوحة رقم ( 4 ) وفي محاولة لاختزال المساحات الحارة والباردة
إلى اللونين الأحمر والأزرق/ يقابله اختزال لتفاصيل المدينة
البعيدة ببرجي التجارة ، يقود فابيو المتأمل إلى عالم لوني كاب،
ويتواصل هذا الاختزال في اللوحة رقم ( 5 ) من خلال جعل اللون
الأزرق الثيمة اللونية الوحيدة ولكن هذا الأزرق هو صدى قول لوركا:
"انه في الزرقة التي ليس لها تاريخ
زرقة ليلة دونما خوف أو انهار
زرقة يذهب فيها جسد الريح ليكسر
جمالا من غيوم فارغة تسير في نومها."
( لوحة رقم 1 )
( لوحة رقم 2 )
( لوحة رقم 3 )
( لوحة رقم 4 )
( لوحة رقم 5 )
( لوحة رقم 6 )
إضاءات:
•
ولد فابيو ماريا ليناري في سبيريا speria 1959 وهو ابن الفنان
جياكومو ليناري
• تخرج من مدرسة كارارا الفنية العليا وبعد ذلك من أكاديمية ارتي
دي بيل في عام 1983
• في عام 1988 أقام معرضه الشخصي الأولَ في شاطئ ريفييرا Gardone،
والمسمى (الأطراف والجسر)
• أقام العديد من المعارض في أوربا والولايات المتحدة
• يقيم حاليا في إيطاليا شرقي مدينة ميلان
رجوع
|