الزمان في المكان
قراءة في أعمال الفنان اندرو ويث1917
د. فائز يعقوب الحمداني

 

اذا كان بعض النقاد يعدون جيورجيوني أستاذ المزاج الشاعري بين أساتذة عصر النهضة ، فلاشك عندي ان الفنان اندرو ويث هو استاذ الواقعية الشعرية. ان خصوصية مناخاته اللونية وعالمه تجعله يلامس ضفاف السريالية لكن سريالية علاقاته تتميز عن الاسلوب السريالي المعروف بصفة الديمومة ، ديمومة الزمن الذي تخلفه مشاعرنا على قماشة الحياة ، هذا الزمن الخاص الصامت والمتحرك في فلك الوحدة والتأمل ، انه زمن الحزن المتجذر في وجودنا ، بينما تصدت السريالية _ في فورة رد فعلها تجاه علاقات حياتنا الظاهرة_ للمفاجأة والإثارة في احيان كثيرة عابثة حتى بهذا الحزن الذي يحرك الوجود
ان الوان انددرو ويث باردة الروح صحراوية يوحي كل ما فيها بالبعد في واقعية مشدودة لمناخ الفنان، هذه الالوان توصلنا الى نصف الطريق في لوحة ريح الشتاء حيث الانتظار الذي يعكسه التطلع الى النافذة المفتوحة على مصراعيها، وما يكمل الطريق امران: الاول هو الزاوية التي يصعنا فيها الرسام خلف هذه النافذة أي انه لا يضعنا خلف النافذة مباشرة، في ازاحة ارى انها تشي بخوف ما، محاولة ولو بسيطة لتجنب المشهد الكامل ، اعطاء الفرصة لامتصاص القادم بالتدريج او ربما بسبب الخوف الذي يخلفه الانتظار الطويل الذي يجعل الانتظار قاسيا. الامر الثاني وهو يتعلق بالاول يتمثل بالستارة التي تحركها الريح، والحركة في اللوحة اقتران بالزمن ( الوقت يمضي و الانتظار بدا يتحول من لهفة طاغية الى ترقب مرير)،
إن حميمية علاقاته بأعماقنا تجعلنا لا نحتاج لان نرى وجه كريستينا في لوحته المشهورة عالم كريستينا. يخيل لي ان كل من ينظر الى هذه اللوحة رسم وجه كرستينا الحزين المتعب والمتطلع في ذات الوقت بلهفة ملتاعة الى الوصول . هنا يضعنا الرسام امام الصراع ذاته الذي وضعنا فيه في لوحة ريح الشتاء سوى ان الفضاء الرحب يفتح لآهاتنا ولهفتنا فسحة نحن بحاجة اليها ونحن امام هذا الاحساس المكبل بالخيبة انها لسان حال القائل (ما اضيق العيش لولا فسحة الامل) وكأن هذا الفضاء الرحب هو الامل الذي يفتح الرسام ابوابه امام عيوننا المشفقة، وربما يكون ذلك وراء سر بقائنا نتطلع الى هذه اللوحة ماشاء لنا الوقت فأمام هذه المسيرة الشاقة التي يطالبنا بها قدرنا والتي تعكسها رحلة كرستيتا لا نملك الا ان نستنشق هذه النسمات وهي تداعب رغبتنا في الوصول.
يعود اندرو ويث في لوحة (الشتاء) إلى ثيمة الزمن وهو يتوسد نفس المناخ اللوني حين يمنح قماشته عالم منطقته التي لم تغادر عالمه الفني ولعله ادرك بان وصوله الى اعماق الزمن الحقيقي له وللمتلقي لا يتعدى خطواته على هذه الارض التي عاش فيها. انه يترجم صورة الوحدة والضياع التي يعيشها العائد بملابس المقاتل تتقاذفه رياح الصمت والوحشة على ذات الارض ارض كرستينا ارض الانتظار والترقب (عالمه) الذي اكتشف فيه الفنان وحدته وتوحده مع الزمن السحيق (في وعينا) المغترب عن هذه الحياة، ربما يمثل هذا العائد روح اندرو ويث وهي تعيش حلمها المغترب على ارضها الاثيرة وربما يمثل اسم هذه اللوحة الفصل الذي اختاره الفنان رفيقا لروحه المغتربة .
لقد وجد هذا الفنان على ارضه التي ضل وفيا لطقوسها زمنه الحقيقي ووجدنا فيها صدى لغربتنا وهي تتعانق مع حميمية ارضه وعالمه. لقد جعلنا اندرو ويث نكتشف في عالمه صورة لزماننا الذي اضعناه في رحلة الحياة ودلنا على طريق يربطنا به من خلال انتمائه الحقيقي للمكان.
ـــــ
اضاءات
ولد في بنسلفانيا في الولايات المتحدة
اقام معرضه الشخصي الاول عام 1951
حائز على العديد من الجوائز والشهادات التقديرية في الولايات المتحدة وفرنسا

 

رجوع